الأحد، 11 أكتوبر 2009

حول الفهم الخاطيء لتعارض فكرة مصر المتوسطية ومصر الأفريقية والسودان العربي والسودان الأفريقي


من مميزات مصر الفريدة، عبقرية وضعها الجغرافي، مما جعلها قبلة لأهل الأرض ومركزا للإشعاع الحضاري وقبلة لأهل الأديان وتاريخ مصر التفاعل بين المؤثرات المتوسطية والآسيوية والإفريقية في تشكيل الحياة المصرية والإقتصاد المصري والثقافة المصرية والمزاج المصري ، ومن مميزات الحضارة السودانية ، التنوع المذهل البشري والثقافي والطبيعي والجغرافي .وإذا كانت مصر هبة النيل ، فإن مصر كذلك هبة المصريين الذين تواصلوا مع العالم حولهم عبر المتوسط ، وتعبر عن هذا الإسكندرية بمكتبتها ومناراتها ومسارحها ومرافيء سفنها عن هذا البعد ، وكذلك تعبر موانيء مصر والسودان الإفريقية في عيذاب وبرزخ السويس عن طبيعة مصر الإفريقية والعربية ، حيث ابحرت السفن حتى مؤانيء الصومال طلباً للتواصل والتفاعل مع سكان الساحل الأفريقي حتى البر الصومالي ، ولا تكاد الذاكرة الحضارية تغفل عن رحلات الملكة المصرية حتشبثوت حتى بلاد بنت - أي بلاد الصومال والحبشة الحالية .أما التفاعل والتواصل المصري السوداني ، أو أقاليم مصر الطبيعية ، فإن هذا هو مرتكز الحضارة النيلية المعروفة بالحضارة النوبية والتي كانت نسيجاً مشتركاً قوامه بحيرة حضارية واحدة تمتد من أسوان حتى الخرطوم الحالية. وترفد هذه البحيرة الحضارية بمنجزاتها وعمرانها، مصر المتوسطية والنوبة الإفريقية التي تمتد حتى أقاصي منابع النيل - ويشهد متحف أسوان على منجزات الحضارة النوبية. وكذلك تشهد عليه قلاع تحتمس ومعابده الممتدة من الأقصر حتى وادي حلفا إلى عمق النوبة السودانية ، كما تشهد عليه مسلات الملك النوبي ترهاقا في معبد الكرنك في الاقصر وتشهد عليه إطلالة ملوك مصر على بحيرة النوبة في معبد أبي سمبل .وتصدق الكتب السماوية وضعية مصر الجغرافية ، فها هم أخوة يوسف يقصدون مصر دون الدنيا، طلبا لخيرات مصر ببضائعهم المزجاة وحتى دعا يوسف ربه أن يجعله على خزائن الارض ، لم يقل خزائن مصر وإنما عبر عن خزائن مصر بخزائن الأرض لأن مصر تتواصل شرقا وغربا وجنوبا وشمالا ، مما يجعلها قبلة لأهل الارض وبالتالي قائمة على خزائن الارض ، ومن رحم مصر المرموز لها بهاجر الامة السوداء خرجت أمة العرب بمصاهرة إبراهيم لهاجر وتواصل ذلك في قصة النبي الخاتم مع مارية القبطية .فمصر الآسيوية تتكامل مع مصر المتوسطية ومصر المتوسطية هبة مصر الإفريقية النوبية النيلية ، ومصر النوبية النيلية تتواصل مع مصر التكرورية ، التي يعبر عنها مصطلح بولاق التكرور أي ميناء التكرور الذي كان يستقبل البضائع القادمة عبر درب الأربعين الذي يخترق الداخل الإفريقي من أسوان حتى الفاشر ومن الفاشر إلى أبشي وتمبكتو وكانو ، وُسمى درب الأربعين لأن اختراقه عبر الصحراء كان يحتاج من القوافل الضخمة والتي هي أشبه بالمدن المتحركة لأربعين يوما لذا لا عجب أن أصبحت هذه القوافل مشكلة لخزائن مصر فيما يعرف بميناء التكرور أو بولاق التكرور ، وهذا الطريق المهمل أو المنسي في تشكل الحضارة المصرية إن تم احياؤه بربط مصر ببلاد التكرور التي اصبحت كبرى أسواق العالم حيث يخدم هذا الطريق مائتي مليون من الافارقة القاطنين في دارفور وتشاد ومالي والنيجر ونيجيريا ولا تزال الجزارات ومحلات القصابين المصرية على صلة بالجمال والدواب القادمة عبر هذا الطريق .حينما حل الإستعمار البريطاني في مصر والسودان، قطع وبأموال مصر، علائق مصر بالسودان . فحينما قام مشروع الجزيرة بالسودان في عام 1924م قام وسط شعب سوداني بدوي رعوي لا خبرة له بالزراعة. وكان المشروع يحتاج للأيادي العاملة المدربة على الزراعة وكان من الطبيعي أن تأتي هذه الأيادي من مصر ، ولكن الإدارة البريطانية التي كانت تحكم السودان بأموال مصر ونيابة عن مصر منعت مجيء العمالة المصرية لتعمير مشروع الجزيرة - بل وابعدت المصريين الموجودين في السودان، عقب مقتل الـ (سير لي استاك) الحاكم العام الإنجليزي للسودان في مصر. وفتحت أبواب الهجرة لمواطني غرب إفريقيا للسودان. حتى اصبح السودان يضم مجتمعاً زراعياً قوامه الملايين توطنوا وتجنسوا وتملكوا الارض. وأرض السودان واسعة تسع أهل غرب إفريقيا ومزارعي مصر ولكن الإستعمار لجأ لسياسة المناطق العازلة وقطع أواصر مصر الإفريقية وروج لفكرة مصر المتوسطية كبديل لفكرة مصر الإفريقية ، علماً بأن فكرة مصر الإفريقية هي مهد مصر المتوسطية وأن الفكرتين تتكاملان ولا تتناسخان، ثم نمت طبقة مصرية قامت استنارتها على أن مصر متوسطية. ناسية أن الله جعل سر مصر في النيل. وأن حياة مصر واستمرار حضارتها تعتمد على تدفق مياه النيل، التي ترمز للبعد الإفريقي في المكون المصري .لا قوام لمصر المتوسطية إلا بمصر الطبيعية ، لأن مصر الطبيعية هي البنية التحتية التي تقوم عليها مصر والتي يشكلها النيل وطرق الصحراء وموانيء البحار ، فالنيل مثل النخلة ثمرته الدلتا وساقه السودان وجذوره المناطق الإستوائية واهمال التواصل والتفاعل مع هذه المكونات تفريط في عبقرية مصر الطبيعية ، كما أن اندثار طرق القوافل الصحراوية التي كانت ترفد مصر بتجارة وبضائع الدواخل الإفريقية ، أغلق باب خير كبير من ابواب مصر - التي أوصى يعقوب ابناءه لا تدخلوا من باب واحد وأدخلوا من ابواب متفرقة ، فلماذا اهمال ابواب مصر التي ظلت مفتوحة على إفريقيا منذ فجر التاريخ والواجب احياء هذه الابواب بمشاريع عملاقة تصل أسوان بالفاشر لبر درب الأربعين وتصل الفاشر بابشي وأم جمينا وكانو وتمبكتو. بحيث تتدفق البضائع المصرية والخبرات المصرية في أيام معدودات إلى كانو وتمبكتو والفاشر. وتجد خيرات إفريقيا سبيلها إلى بولاق التكرور أو قاهرة المعز . كما أن مصر الإفريقية لا قوام لها دون مد خطوط السكك الحديدية إلى المناطق الإستوائية وبحيرة تانا في الهضبة الإثيوبية بالإضافة إلى الطرق المعبدة التي نجحت الحكومة السودانية بمدها حتى ما بعد الرنك في جنوب السودان وإلى النهود في إتجاه دارفور وعبر القلابات والمتمة الإثيوبية إلى بلاد غندر وبحيرة تانا. ولأول مرة تبرز شبكة طرق رابطة الإمبراطورية السودانية المترامية الأطراف ويا ليت الشبكة ترتبط بالشبكة المصرية وتتمدد عبر إفريقيا . لقد تأخر مشروع مد شبكة الطرق لربط مشروع مصر الطبيعية، والذي بدأه الخديوي اسماعيل في اواسط القرن التاسع عشر. وبعد قرابة مائة وثلاثين عاما من تفكير اسماعيل باشا من مد خطوط السكك الحديدية عبر مصر الطبيعية ومع النيل ، تقف الارادة المصرية / السودانية عاجزة عن إيصال هذا المشروع إلى آفاقه المصيرية بابعاده الإستراتيجية. ولو كان هذا المشروع حيا ، لما اضطربت مصر لزيارة ليبرمان لدول حوض النيل لتسويق سياسات مائية مضرة ومؤذية لمصر والسودان . العلاقات المصرية / السودانية بدول نادي حوض النيل ليست طارئة أو جديدة او مصنوعة كعلاقات اسرائيل الطارئة والمسمومة. والتي كانت ضد حركات التحرر الإفريقي. وكانت موصولة مع نادي التفرقة العنصرية وضد التواصل الإفريقي / الإفريقي. وضد التواصل المتوسطي / الإفريقي. والتواصل المصري / السوداني الإفريقي لا يحتاج لأموال البنك الدولي. في وقت وصلت التدفقات المالية العربية إلى حد أسطوري. ولا يحتاج إلا للإرادة والتخطيط الذكي والثقة والقيادة الملهمة. والتواصل الإفريقي /الإفريقي ليس خصماً للمتوسطية وإنما هو رصيد لها ويتكامل مع شخصية مصر والأسواق العربية والآسيوية ويتكامل مع مكونات ثقافة البحر الأحمر ويتكامل مع مشروع وادي النيل بأبعاده الإنسانية والحضارية ويبدو أنه لا وجود لطفرة مستقبلية ولا مسار مستقبلي لوادي النيل دون إعمال النظر في هذا المشروع.. والله أعلم . اهمال فكرة مصر الإفريقية وتسويق فكرة مصر المتوسطية ، يجعل مصر سوقاً سياحياً لاوروبا والغرب. ويجعل الحيوية والعبقرية المصرية مجرد مجتمع خدمي لاغراض السياحة والفندقة والمطاعم ونادي وترفيه للأوروبيين والغربيين ، لأن مصر غير مهيأة الآن للمنافسة الصناعية والتجارية في نادي المتوسطية. على عكس وضع مصر في الفضاء الإفريقي الذي يجعلها قوة إقتصادية وثقافية وسياسية واجتماعية وبدلا من ذيلية المتوسطية فإنها عملاق الإفريقية ومع ذلك فإن عملاق الإفريقية يصبح الند وربما السيد في نادي المتوسطية ، حينما يغرس رجليه في تربته الحقيقية ، أي في الطين الإفريقي وطين وادي النيل.
منقول / مقالة للدكتور حسن مكي - جريدة الرأي العام السودانية

حول الفهم الخاطيء لتعارض فكرة مصر المتوسطية

من مميزات مصر الفريدة، عبقرية وضعها الجغرافي، مما جعلها قبلة لأهل الأرض ومركزا للإشعاع الحضاري وقبلة لأهل الأديان وتاريخ مصر التفاعل بين المؤثرات المتوسطية والآسيوية والإفريقية في تشكيل الحياة المصرية والإقتصاد المصري والثقافة المصرية والمزاج المصري ، ومن مميزات الحضارة السودانية ، التنوع المذهل البشري والثقافي والطبيعي والجغرافي .وإذا كانت مصر هبة النيل ، فإن مصر كذلك هبة المصريين الذين تواصلوا مع العالم حولهم عبر المتوسط ، وتعبر عن هذا الإسكندرية بمكتبتها ومناراتها ومسارحها ومرافيء سفنها عن هذا البعد ، وكذلك تعبر موانيء مصر والسودان الإفريقية في عيذاب وبرزخ السويس عن طبيعة مصر الإفريقية والعربية ، حيث ابحرت السفن حتى مؤانيء الصومال طلباً للتواصل والتفاعل مع سكان الساحل الأفريقي حتى البر الصومالي ، ولا تكاد الذاكرة الحضارية تغفل عن رحلات الملكة المصرية حتشبثوت حتى بلاد بنت - أي بلاد الصومال والحبشة الحالية .أما التفاعل والتواصل المصري السوداني ، أو أقاليم مصر الطبيعية ، فإن هذا هو مرتكز الحضارة النيلية المعروفة بالحضارة النوبية والتي كانت نسيجاً مشتركاً قوامه بحيرة حضارية واحدة تمتد من أسوان حتى الخرطوم الحالية. وترفد هذه البحيرة الحضارية بمنجزاتها وعمرانها، مصر المتوسطية والنوبة الإفريقية التي تمتد حتى أقاصي منابع النيل - ويشهد متحف أسوان على منجزات الحضارة النوبية. وكذلك تشهد عليه قلاع تحتمس ومعابده الممتدة من الأقصر حتى وادي حلفا إلى عمق النوبة السودانية ، كما تشهد عليه مسلات الملك النوبي ترهاقا في معبد الكرنك في الاقصر وتشهد عليه إطلالة ملوك مصر على بحيرة النوبة في معبد أبي سمبل .وتصدق الكتب السماوية وضعية مصر الجغرافية ، فها هم أخوة يوسف يقصدون مصر دون الدنيا، طلبا لخيرات مصر ببضائعهم المزجاة وحتى دعا يوسف ربه أن يجعله على خزائن الارض ، لم يقل خزائن مصر وإنما عبر عن خزائن مصر بخزائن الأرض لأن مصر تتواصل شرقا وغربا وجنوبا وشمالا ، مما يجعلها قبلة لأهل الارض وبالتالي قائمة على خزائن الارض ، ومن رحم مصر المرموز لها بهاجر الامة السوداء خرجت أمة العرب بمصاهرة إبراهيم لهاجر وتواصل ذلك في قصة النبي الخاتم مع مارية القبطية .فمصر الآسيوية تتكامل مع مصر المتوسطية ومصر المتوسطية هبة مصر الإفريقية النوبية النيلية ، ومصر النوبية النيلية تتواصل مع مصر التكرورية ، التي يعبر عنها مصطلح بولاق التكرور أي ميناء التكرور الذي كان يستقبل البضائع القادمة عبر درب الأربعين الذي يخترق الداخل الإفريقي من أسوان حتى الفاشر ومن الفاشر إلى أبشي وتمبكتو وكانو ، وُسمى درب الأربعين لأن اختراقه عبر الصحراء كان يحتاج من القوافل الضخمة والتي هي أشبه بالمدن المتحركة لأربعين يوما لذا لا عجب أن أصبحت هذه القوافل مشكلة لخزائن مصر فيما يعرف بميناء التكرور أو بولاق التكرور ، وهذا الطريق المهمل أو المنسي في تشكل الحضارة المصرية إن تم احياؤه بربط مصر ببلاد التكرور التي اصبحت كبرى أسواق العالم حيث يخدم هذا الطريق مائتي مليون من الافارقة القاطنين في دارفور وتشاد ومالي والنيجر ونيجيريا ولا تزال الجزارات ومحلات القصابين المصرية على صلة بالجمال والدواب القادمة عبر هذا الطريق .حينما حل الإستعمار البريطاني في مصر والسودان، قطع وبأموال مصر، علائق مصر بالسودان . فحينما قام مشروع الجزيرة بالسودان في عام 1924م قام وسط شعب سوداني بدوي رعوي لا خبرة له بالزراعة. وكان المشروع يحتاج للأيادي العاملة المدربة على الزراعة وكان من الطبيعي أن تأتي هذه الأيادي من مصر ، ولكن الإدارة البريطانية التي كانت تحكم السودان بأموال مصر ونيابة عن مصر منعت مجيء العمالة المصرية لتعمير مشروع الجزيرة - بل وابعدت المصريين الموجودين في السودان، عقب مقتل الـ (سير لي استاك) الحاكم العام الإنجليزي للسودان في مصر. وفتحت أبواب الهجرة لمواطني غرب إفريقيا للسودان. حتى اصبح السودان يضم مجتمعاً زراعياً قوامه الملايين توطنوا وتجنسوا وتملكوا الارض. وأرض السودان واسعة تسع أهل غرب إفريقيا ومزارعي مصر ولكن الإستعمار لجأ لسياسة المناطق العازلة وقطع أواصر مصر الإفريقية وروج لفكرة مصر المتوسطية كبديل لفكرة مصر الإفريقية ، علماً بأن فكرة مصر الإفريقية هي مهد مصر المتوسطية وأن الفكرتين تتكاملان ولا تتناسخان، ثم نمت طبقة مصرية قامت استنارتها على أن مصر متوسطية. ناسية أن الله جعل سر مصر في النيل. وأن حياة مصر واستمرار حضارتها تعتمد على تدفق مياه النيل، التي ترمز للبعد الإفريقي في المكون المصري .لا قوام لمصر المتوسطية إلا بمصر الطبيعية ، لأن مصر الطبيعية هي البنية التحتية التي تقوم عليها مصر والتي يشكلها النيل وطرق الصحراء وموانيء البحار ، فالنيل مثل النخلة ثمرته الدلتا وساقه السودان وجذوره المناطق الإستوائية واهمال التواصل والتفاعل مع هذه المكونات تفريط في عبقرية مصر الطبيعية ، كما أن اندثار طرق القوافل الصحراوية التي كانت ترفد مصر بتجارة وبضائع الدواخل الإفريقية ، أغلق باب خير كبير من ابواب مصر - التي أوصى يعقوب ابناءه لا تدخلوا من باب واحد وأدخلوا من ابواب متفرقة ، فلماذا اهمال ابواب مصر التي ظلت مفتوحة على إفريقيا منذ فجر التاريخ والواجب احياء هذه الابواب بمشاريع عملاقة تصل أسوان بالفاشر لبر درب الأربعين وتصل الفاشر بابشي وأم جمينا وكانو وتمبكتو. بحيث تتدفق البضائع المصرية والخبرات المصرية في أيام معدودات إلى كانو وتمبكتو والفاشر. وتجد خيرات إفريقيا سبيلها إلى بولاق التكرور أو قاهرة المعز . كما أن مصر الإفريقية لا قوام لها دون مد خطوط السكك الحديدية إلى المناطق الإستوائية وبحيرة تانا في الهضبة الإثيوبية بالإضافة إلى الطرق المعبدة التي نجحت الحكومة السودانية بمدها حتى ما بعد الرنك في جنوب السودان وإلى النهود في إتجاه دارفور وعبر القلابات والمتمة الإثيوبية إلى بلاد غندر وبحيرة تانا. ولأول مرة تبرز شبكة طرق رابطة الإمبراطورية السودانية المترامية الأطراف ويا ليت الشبكة ترتبط بالشبكة المصرية وتتمدد عبر إفريقيا . لقد تأخر مشروع مد شبكة الطرق لربط مشروع مصر الطبيعية، والذي بدأه الخديوي اسماعيل في اواسط القرن التاسع عشر. وبعد قرابة مائة وثلاثين عاما من تفكير اسماعيل باشا من مد خطوط السكك الحديدية عبر مصر الطبيعية ومع النيل ، تقف الارادة المصرية / السودانية عاجزة عن إيصال هذا المشروع إلى آفاقه المصيرية بابعاده الإستراتيجية. ولو كان هذا المشروع حيا ، لما اضطربت مصر لزيارة ليبرمان لدول حوض النيل لتسويق سياسات مائية مضرة ومؤذية لمصر والسودان . العلاقات المصرية / السودانية بدول نادي حوض النيل ليست طارئة أو جديدة او مصنوعة كعلاقات اسرائيل الطارئة والمسمومة. والتي كانت ضد حركات التحرر الإفريقي. وكانت موصولة مع نادي التفرقة العنصرية وضد التواصل الإفريقي / الإفريقي. وضد التواصل المتوسطي / الإفريقي. والتواصل المصري / السوداني الإفريقي لا يحتاج لأموال البنك الدولي. في وقت وصلت التدفقات المالية العربية إلى حد أسطوري. ولا يحتاج إلا للإرادة والتخطيط الذكي والثقة والقيادة الملهمة. والتواصل الإفريقي /الإفريقي ليس خصماً للمتوسطية وإنما هو رصيد لها ويتكامل مع شخصية مصر والأسواق العربية والآسيوية ويتكامل مع مكونات ثقافة البحر الأحمر ويتكامل مع مشروع وادي النيل بأبعاده الإنسانية والحضارية ويبدو أنه لا وجود لطفرة مستقبلية ولا مسار مستقبلي لوادي النيل دون إعمال النظر في هذا المشروع.. والله أعلم . اهمال فكرة مصر الإفريقية وتسويق فكرة مصر المتوسطية ، يجعل مصر سوقاً سياحياً لاوروبا والغرب. ويجعل الحيوية والعبقرية المصرية مجرد مجتمع خدمي لاغراض السياحة والفندقة والمطاعم ونادي وترفيه للأوروبيين والغربيين ، لأن مصر غير مهيأة الآن للمنافسة الصناعية والتجارية في نادي المتوسطية. على عكس وضع مصر في الفضاء الإفريقي الذي يجعلها قوة إقتصادية وثقافية وسياسية واجتماعية وبدلا من ذيلية المتوسطية فإنها عملاق الإفريقية ومع ذلك فإن عملاق الإفريقية يصبح الند وربما السيد في نادي المتوسطية ، حينما يغرس رجليه في تربته الحقيقية ، أي في الطين الإفريقي وطين وادي النيل.

حول الفهم الخاطيء لتعارض فكرة مصر المتوسطية

من مميزات مصر الفريدة، عبقرية وضعها الجغرافي، مما جعلها قبلة لأهل الأرض ومركزا للإشعاع الحضاري وقبلة لأهل الأديان وتاريخ مصر التفاعل بين المؤثرات المتوسطية والآسيوية والإفريقية في تشكيل الحياة المصرية والإقتصاد المصري والثقافة المصرية والمزاج المصري ، ومن مميزات الحضارة السودانية ، التنوع المذهل البشري والثقافي والطبيعي والجغرافي .وإذا كانت مصر هبة النيل ، فإن مصر كذلك هبة المصريين الذين تواصلوا مع العالم حولهم عبر المتوسط ، وتعبر عن هذا الإسكندرية بمكتبتها ومناراتها ومسارحها ومرافيء سفنها عن هذا البعد ، وكذلك تعبر موانيء مصر والسودان الإفريقية في عيذاب وبرزخ السويس عن طبيعة مصر الإفريقية والعربية ، حيث ابحرت السفن حتى مؤانيء الصومال طلباً للتواصل والتفاعل مع سكان الساحل الأفريقي حتى البر الصومالي ، ولا تكاد الذاكرة الحضارية تغفل عن رحلات الملكة المصرية حتشبثوت حتى بلاد بنت - أي بلاد الصومال والحبشة الحالية .أما التفاعل والتواصل المصري السوداني ، أو أقاليم مصر الطبيعية ، فإن هذا هو مرتكز الحضارة النيلية المعروفة بالحضارة النوبية والتي كانت نسيجاً مشتركاً قوامه بحيرة حضارية واحدة تمتد من أسوان حتى الخرطوم الحالية. وترفد هذه البحيرة الحضارية بمنجزاتها وعمرانها، مصر المتوسطية والنوبة الإفريقية التي تمتد حتى أقاصي منابع النيل - ويشهد متحف أسوان على منجزات الحضارة النوبية. وكذلك تشهد عليه قلاع تحتمس ومعابده الممتدة من الأقصر حتى وادي حلفا إلى عمق النوبة السودانية ، كما تشهد عليه مسلات الملك النوبي ترهاقا في معبد الكرنك في الاقصر وتشهد عليه إطلالة ملوك مصر على بحيرة النوبة في معبد أبي سمبل .وتصدق الكتب السماوية وضعية مصر الجغرافية ، فها هم أخوة يوسف يقصدون مصر دون الدنيا، طلبا لخيرات مصر ببضائعهم المزجاة وحتى دعا يوسف ربه أن يجعله على خزائن الارض ، لم يقل خزائن مصر وإنما عبر عن خزائن مصر بخزائن الأرض لأن مصر تتواصل شرقا وغربا وجنوبا وشمالا ، مما يجعلها قبلة لأهل الارض وبالتالي قائمة على خزائن الارض ، ومن رحم مصر المرموز لها بهاجر الامة السوداء خرجت أمة العرب بمصاهرة إبراهيم لهاجر وتواصل ذلك في قصة النبي الخاتم مع مارية القبطية .فمصر الآسيوية تتكامل مع مصر المتوسطية ومصر المتوسطية هبة مصر الإفريقية النوبية النيلية ، ومصر النوبية النيلية تتواصل مع مصر التكرورية ، التي يعبر عنها مصطلح بولاق التكرور أي ميناء التكرور الذي كان يستقبل البضائع القادمة عبر درب الأربعين الذي يخترق الداخل الإفريقي من أسوان حتى الفاشر ومن الفاشر إلى أبشي وتمبكتو وكانو ، وُسمى درب الأربعين لأن اختراقه عبر الصحراء كان يحتاج من القوافل الضخمة والتي هي أشبه بالمدن المتحركة لأربعين يوما لذا لا عجب أن أصبحت هذه القوافل مشكلة لخزائن مصر فيما يعرف بميناء التكرور أو بولاق التكرور ، وهذا الطريق المهمل أو المنسي في تشكل الحضارة المصرية إن تم احياؤه بربط مصر ببلاد التكرور التي اصبحت كبرى أسواق العالم حيث يخدم هذا الطريق مائتي مليون من الافارقة القاطنين في دارفور وتشاد ومالي والنيجر ونيجيريا ولا تزال الجزارات ومحلات القصابين المصرية على صلة بالجمال والدواب القادمة عبر هذا الطريق .حينما حل الإستعمار البريطاني في مصر والسودان، قطع وبأموال مصر، علائق مصر بالسودان . فحينما قام مشروع الجزيرة بالسودان في عام 1924م قام وسط شعب سوداني بدوي رعوي لا خبرة له بالزراعة. وكان المشروع يحتاج للأيادي العاملة المدربة على الزراعة وكان من الطبيعي أن تأتي هذه الأيادي من مصر ، ولكن الإدارة البريطانية التي كانت تحكم السودان بأموال مصر ونيابة عن مصر منعت مجيء العمالة المصرية لتعمير مشروع الجزيرة - بل وابعدت المصريين الموجودين في السودان، عقب مقتل الـ (سير لي استاك) الحاكم العام الإنجليزي للسودان في مصر. وفتحت أبواب الهجرة لمواطني غرب إفريقيا للسودان. حتى اصبح السودان يضم مجتمعاً زراعياً قوامه الملايين توطنوا وتجنسوا وتملكوا الارض. وأرض السودان واسعة تسع أهل غرب إفريقيا ومزارعي مصر ولكن الإستعمار لجأ لسياسة المناطق العازلة وقطع أواصر مصر الإفريقية وروج لفكرة مصر المتوسطية كبديل لفكرة مصر الإفريقية ، علماً بأن فكرة مصر الإفريقية هي مهد مصر المتوسطية وأن الفكرتين تتكاملان ولا تتناسخان، ثم نمت طبقة مصرية قامت استنارتها على أن مصر متوسطية. ناسية أن الله جعل سر مصر في النيل. وأن حياة مصر واستمرار حضارتها تعتمد على تدفق مياه النيل، التي ترمز للبعد الإفريقي في المكون المصري .لا قوام لمصر المتوسطية إلا بمصر الطبيعية ، لأن مصر الطبيعية هي البنية التحتية التي تقوم عليها مصر والتي يشكلها النيل وطرق الصحراء وموانيء البحار ، فالنيل مثل النخلة ثمرته الدلتا وساقه السودان وجذوره المناطق الإستوائية واهمال التواصل والتفاعل مع هذه المكونات تفريط في عبقرية مصر الطبيعية ، كما أن اندثار طرق القوافل الصحراوية التي كانت ترفد مصر بتجارة وبضائع الدواخل الإفريقية ، أغلق باب خير كبير من ابواب مصر - التي أوصى يعقوب ابناءه لا تدخلوا من باب واحد وأدخلوا من ابواب متفرقة ، فلماذا اهمال ابواب مصر التي ظلت مفتوحة على إفريقيا منذ فجر التاريخ والواجب احياء هذه الابواب بمشاريع عملاقة تصل أسوان بالفاشر لبر درب الأربعين وتصل الفاشر بابشي وأم جمينا وكانو وتمبكتو. بحيث تتدفق البضائع المصرية والخبرات المصرية في أيام معدودات إلى كانو وتمبكتو والفاشر. وتجد خيرات إفريقيا سبيلها إلى بولاق التكرور أو قاهرة المعز . كما أن مصر الإفريقية لا قوام لها دون مد خطوط السكك الحديدية إلى المناطق الإستوائية وبحيرة تانا في الهضبة الإثيوبية بالإضافة إلى الطرق المعبدة التي نجحت الحكومة السودانية بمدها حتى ما بعد الرنك في جنوب السودان وإلى النهود في إتجاه دارفور وعبر القلابات والمتمة الإثيوبية إلى بلاد غندر وبحيرة تانا. ولأول مرة تبرز شبكة طرق رابطة الإمبراطورية السودانية المترامية الأطراف ويا ليت الشبكة ترتبط بالشبكة المصرية وتتمدد عبر إفريقيا . لقد تأخر مشروع مد شبكة الطرق لربط مشروع مصر الطبيعية، والذي بدأه الخديوي اسماعيل في اواسط القرن التاسع عشر. وبعد قرابة مائة وثلاثين عاما من تفكير اسماعيل باشا من مد خطوط السكك الحديدية عبر مصر الطبيعية ومع النيل ، تقف الارادة المصرية / السودانية عاجزة عن إيصال هذا المشروع إلى آفاقه المصيرية بابعاده الإستراتيجية. ولو كان هذا المشروع حيا ، لما اضطربت مصر لزيارة ليبرمان لدول حوض النيل لتسويق سياسات مائية مضرة ومؤذية لمصر والسودان . العلاقات المصرية / السودانية بدول نادي حوض النيل ليست طارئة أو جديدة او مصنوعة كعلاقات اسرائيل الطارئة والمسمومة. والتي كانت ضد حركات التحرر الإفريقي. وكانت موصولة مع نادي التفرقة العنصرية وضد التواصل الإفريقي / الإفريقي. وضد التواصل المتوسطي / الإفريقي. والتواصل المصري / السوداني الإفريقي لا يحتاج لأموال البنك الدولي. في وقت وصلت التدفقات المالية العربية إلى حد أسطوري. ولا يحتاج إلا للإرادة والتخطيط الذكي والثقة والقيادة الملهمة. والتواصل الإفريقي /الإفريقي ليس خصماً للمتوسطية وإنما هو رصيد لها ويتكامل مع شخصية مصر والأسواق العربية والآسيوية ويتكامل مع مكونات ثقافة البحر الأحمر ويتكامل مع مشروع وادي النيل بأبعاده الإنسانية والحضارية ويبدو أنه لا وجود لطفرة مستقبلية ولا مسار مستقبلي لوادي النيل دون إعمال النظر في هذا المشروع.. والله أعلم . اهمال فكرة مصر الإفريقية وتسويق فكرة مصر المتوسطية ، يجعل مصر سوقاً سياحياً لاوروبا والغرب. ويجعل الحيوية والعبقرية المصرية مجرد مجتمع خدمي لاغراض السياحة والفندقة والمطاعم ونادي وترفيه للأوروبيين والغربيين ، لأن مصر غير مهيأة الآن للمنافسة الصناعية والتجارية في نادي المتوسطية. على عكس وضع مصر في الفضاء الإفريقي الذي يجعلها قوة إقتصادية وثقافية وسياسية واجتماعية وبدلا من ذيلية المتوسطية فإنها عملاق الإفريقية ومع ذلك فإن عملاق الإفريقية يصبح الند وربما السيد في نادي المتوسطية ، حينما يغرس رجليه في تربته الحقيقية ، أي في الطين الإفريقي وطين وادي النيل.